تقسم الثورة السورية عموديا وأفقيا وتتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية بشكل حول سوريا إلى محور للعالم، فجميع الأفعال وردود الأفعال تخضع للمراوحة المكانية والزمانية والتناقض الغريب العجيب، فالغرب يريد أن يوجه ضربة عسكرية لنظام الأسد، وهو لا يريد في الوقت نفسه أن يضربه، وينقسم الغرب على نفسه بطريقة تبعث على الذهول، فوزير الخارجية الأمريكي يعلن أن بلاده تمتلك أدلة على استخدام نظام الأسد الإرهابي لغاز السارين في غوطة دمشق، وفي الوقت نفسه يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده لا تزال تبحث عن أدلة قاطعة، ثم يوحي أن الضربة باتت قاب قوسين أو أدنى من رقبة الأسد، وبعد ذلك يتراجع ويقول إن الضربة لا تهدف إلى إسقاط الأسد ونظامه ويعلن أنه سيعرض الأمر على الكونغرس للتصويت، وفي بريطانيا يرفض مجلس النواب البريطاني الموافقة على توجيه ضربات لنظام الأسد الإرهابي، وكذلك ترفض ألمانيا ضرب نظام الأسد وتبقى فرنسا الدولة الوحيدة المؤيدة لتوجيه ضربة عسكرية للنظام الحاكم
في سوريا.
في سوريا.
أما الموقف العربي فهو موقف "بايخ" وبلا نكهة وبدون طعم، فالجزائر ولبنان والعراق والنظام الانقلابي في مصر ترفض ضرب الأسد ونظامه وتلتزم باقي الأنظمة العربية الصمت باستثناء السعودية وقطر اللتين تؤيدان ضرب الأسد عسكريا، وباستخدام النفوذ السعودي يوافق وزراء الخارجية العرب على دعوة "الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياتهم وفقاً لميثاق المنظمة الدولية وقواعد القانون الدولي لاتّخاذ الإجراءات الرادعة واللازمة ضدّ مرتكبي هذه الجريمة "استخدام السلاح الكيماوي" التي يتحمّل مسؤولياتها النظام السوري، ووضع حدٍّ لانتهاكات وجرائم الإبادة التي يقوم بها النظام السوري منذ عامين". وطالبوا بـتقديم كافة المتورّطين عن هذه الجريمة النكراء لمحاكمات دولية عادلة أسوة بغيرهم من مجرمي الحروب.. وتقديم كافّة أشكال الدعم المطلوب للشعب السوري للدفاع عن نفسه".
لا تعني مواقف الوزراء العرب عمليا أي شيء، فالعراق ولبنان يشاركان عمليا في الحرب إلى جانب الأسد ضد الثوار السوريين، فالشيعة من حزب الله اللبناني وجيش المهدي ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق العراقية تقاتل مع قوات الأسد منذ فترة طويلة، أما النظام العسكري في الجزائر فهو ضد كل الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ولا يخفي عداوته للربيع العربي، أما موقف السلطة الانقلابية في مصر فهو "موقف تجاري" لاستخدام الورقة السورية من أجل كسب بعض المال من السعودية لا أكثر وهذا يفسر معارضة النظام الانقلابي لتوجيه ضربة عسكرية في النقاشات ثم الموافقة عليها في بيان وزراء الخارجية.
لا يمكن الثقة لا بالموقف الرسمي العربي ولا الغربي، فالقاسم المشترك بين الطرفين أنهما لا يريدان انتصار الثورة السورية، مع بعض الاستثناءات النادرة، فالأنظمة العربية تريد إنهاء الثورة السورية بطريقة تغلق باب الثورات في العالم العربي، والغرب يريد إنهاء سوريا بطريقة تضمن أمن إسرائيل لمدة نصف قرن على الأقل، وهذا ما تكشفه ضبابية ماهية الضربة العسكرية التي تتراوح احتمالاتها بين ضربة عقابية محدودة إلى ضربة موسّعة رادعة، والتي لا تهدف بالضرورة إلى إسقاط نظام الأسد الإرهابي وتفكيك آلة جريمته العسكرية والأمنيّة. مما يعني أنها "ضربة تحريكية" غير مميتة يمكن أن تضخ المزيد من الحياة في شرايين نظام الأسد المجرم، وذلك لدفع نظام الأسد والمعارضة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل تقاسم السلطة بدون بشار الأسد، وهو ما توافق عليه روسيا والصين وإيران والغرب كله.
رغم هذه القراءة المتشككة والمرتابة بأفعال الغرب وتحركاته فإن الضربة لو حدثت "بطريقة مناسبة" يمكن أن تكون مفيدة إن استفاد منها الثوار، وهذا يعتمد على نوعية الأهداف التي ستقصفها الطائرات الأمريكية والغربية، وفيما إذا كانت ستمكن الثوار من السيطرة على "المواقع الصعبة" لنظام الأسد مثل المطارات والمقرات المحصنة والثكنات العصية على الاختراق وغيرها، لكن هذا كله يعتمد كيف سيدير الغرب حربه ضد مواقع نظام الأسد، وهل سيوجه له ضربات قاتلة أم مجرد"خرمشات" تدمر مقدرات سوريا ولا تدمر آلة الأسد العسكرية، أو توجيه ضربات لجبهة النصرة والمقاتلين الإسلاميين الذين يحاربون نظام الأسد الإرهابي، مما يخلط الأوراق على الأرض.
ينبغي أن لا تكون اليد الأمريكية مطلقة في تحديد الأهداف التي تريد قصفها، لأن ذلك يعني أنها ستضرب وفقا لمصالحها ومصالح إسرائيل، وتوجيه ضربات دون إشراك الجيش الحر في تحديد الأهداف يعني استهداف سوريا وليس نظام الأسد، وللأسف فإن رئيس أركان الجيش الحر أعلن أنه لا يعرف شيئا عن الخطط الأمريكية ولا عن أهدافها، وعلى قادة الثورة السورية مطالبة الجانب الأمريكي بالتنسيق الكامل معهم، وإزالة كل المعوقات التي تحول دون تقديم سلاح نوعي للجيش الحر وبكميات مناسبة وفرض حظر جوّي يشلّ حركة طيران النظام المجرم وفرض مناطق آمنة.
الغرب وعلى رأسه أمريكا ينفذ أجندة "غربية - إسرائيلية" تهدف إلى تدمير سوريا بالكامل وإثخانها بمزيد من الجراح ولهذا لا يجوز ترك الحبل على الغارب لأمريكا وفرنسا، وعلى الجيش الحر المقدرة المشاركة بصناعة القرار لأن القوات البرية على الأرض هي التي تحدد النتيجة النهائية للمعركة، والثوار السوريون هم الموجودون على الأرض وهم الذين يقاتلون على الأرض ولن يستطيع حلف الأطلسي كله صناعة أي إنجاز بدون حرب برية، أي بدون الجيش الحر.
بصراحة لا يمكن الوثوق بأمريكا وفرنسا والغرب كله، وتأييد توجيه ضربات جوية لشل القدرات العسكرية لنظام الأسد الإرهابي لا يعني على الإطلاق ترك الساحة لهم، فهم لا يقدمون شيئا مجانا، فكل شيء بثمن.. المصيبة هي أن الحالة العربية مزرية وضعيفة ومفككة وبائسة وغير قادرة على الفعل، فالشعب السوري الذي قاتل أكثر من عامين ونصف العام وواجهوا واحدا من أعتى الأنظمة الدكتاتورية العسكرية الإرهابية في التاريخ وحدهم دون معونة من أحد تقريبا، والكارثة إذا سمح الثوار لأمريكا وحلفائها العرب بوضع نهاية للثورة السورية بطريقة "الذبح الرحيم" وبدون دم وإنهاء سوريا والثورة السورية بدل إسقاط نظام الأسد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق